بعد مرور ثلاثة عشر عام على احتلال العراق، ما هي الحرب التي لا تزال مستمرة في العراق، وما هي الخسائر ومن هم الضحايا؟ المقالة التالية نتجت عن حلقة نقاشية عن العراق و داعش أقيمت في جامعة رويال هولواي في لندن، في 26 فبراير 2016

العراق: 13 عشرة عاما من الحروب و الضحايا

المؤلف: ليلي هامورتزيادو
19 مارس 2016

قال الفيلسوف و السياسي و المحامي الروماني سيسرو انه في اوقات الحرب تسقط القوانين. فعلى الرجال و النساء و الجنود والمدنيين ان يقوموا بما هو مستطاع لإنقاذ حياتهم وحياة الاخرين خلال الحرب، فما يحصل في الحرب لا يخضع للأحكام الاخلاقية المتعارف عليها و لاحتى للقانون كما يؤكد البعض. فالسياسيون الواقعيون يحاججون بأن الحرب تقع خارج مجال الاخلاق و العلاقات بين الكينونات السياسية التي تسعى للبقاء هي علاقات لا ترتبط بموضوعة الاخلاق. ومع ذلك فلقد كتب المؤرخين و الفلاسفة و السياسيين و تحدثوا عن الحرب مستخدمين مصطلحات الصح و الخطأ. فسموا الحرب "عادلة" او "غير عادلة"، "عدوانية" او "دفاعية" و هناك "حرب الاستقلال" و "حرب اهلية" و "حرب عالمية" و "حرب انسانية" و "حرب المقاومة" و غيرها و كلها لديها ما يبررها او يدينها. ما لم يتم مناقشته فعلا هو الخسائر البشرية لهذه الحروب. فالخسائر البشرية هي محصلة الحرب الاساسية بالاضافة الى الخسائر الاخرى ومن بينها خسارة الظروف المعيشية التي تجعل الحياة تستحق الجهد.

الحروب

عانى العراق من عدة حروب منذ 2003: عدوانية و انسانية و اهلية ؛ و اخذت اشكال القصف الجوي و اطلاقات نارية و اعدامات و هجمات بقذائف هاون و انفجارات مفخخة و سيارات مفخخة. قاتل هذه الحروب مختلف الاحزاب و الاطراف البعض منهم عراقيون و البعض الاخر ليسوا بعراقيين و البعض منهم كان محتلا و البعض الاخر تسيطر عليه الدولة و البعض منهم متمردين بينما الاخرين ارهابيين. فربما هناك ما لا يقل عن اربعين مجموعة مختلفة لكن من اهمها هم البعثيين و العراقيين القوميين و الاسلاميين السنة و الجهاديين السلفيين/الوهابيين و الميليشيات الشيعية و المتطوعين الاسلاميين من الخارج. اضافة الى ان هناك قوات تحالف تقودها الولايات المتحدة و قوات الحكومة العراقية.

هناك حروبا ثقيلة اسلحتها القنابل و القذائف و الاسلحة و السكاكين. من بين الحوادث الاخيرة هناك انفجار الحلة في 6 اذار 2016 راح ضحيته 60 مدني. و هناك اعدام عشرة اطفال من قبل عناصر داعش في الفلوجة في 23 يناير 2016 و قتل 29 مدني بقصف جوي على الموصل في 29 سبتمبر 2015. فالحرب اليومية و العنف اليومي الذي بدأ في 2003 لا يزال مستمرا الى الان: موت بانفجار او موت بالسيف او موت بحجارة او موت بالتعذيب....

بالرغم من ان الاعلام الغربي لا يسلط الضوء عليها (لكن لا تزال القنوات العربية تتحدث عنها كالمدى و النعلومة و نينا و السومرية و المسلة) فأن هذه الحروب القاسية لا تزال مستمرة على الارض العراقية. و بالرغم من عدم التحدث عنها الا انها موجودة و يمكن رؤيتها: السيارة المحترقة التي اخفت القنبلة و البناية السوداء حيث حصل الانفجار و بقع الدماء على الرصيف و حطام اكشاك السوق حيث زرعت العبوة وثقوب الطلقات النارية التي اخترقت الكونكريت و المعدن و اجساد البشر.

لكن هناك ايضا حروبا اخرى ليس لها دليل مادي. تلك هي حروب الكلمات و حروب الافكار و حروب الخطاب السياسي. تلك الحروب التي تتحدث عن الاعداء و التهديدات و الانسجام و غير الانسجام و الحرية و الاستعباد. تلك حروب اقل وضوحا و لا يمكن وضعها على صور. فكل حرب مادية لها ما يقابلها لكن حروب الخطاب يمكن ان تحصل دون ان تطلق رصاصة واحدة و بدون القاء قنبلة واحدة. تأثير مثل هذه الحروب يستمر طويلا ولعدة اجيال بعد ان يتوقف اطلاق النار.

بعد انفجار الحلة في 6 اذار 2016 حذرت وكالة الصحافة الفرنسية قائلة "حذر المراقبون بأنه مع كون خليفة الدولة الاسلامية قد بدأ يختفي عن الانظار فأن الدولة الاسلامية سوف تلجأ لأساليب حرب الشوارع و هجمات السيارات المفخخة التي تستهدف المدنيين". و في نفس المقال، "الرافضة (ذلك المصطلح التحقيري للشيعة) يجب ان يفهموا بأن المعركة قد بدأت للتو و ما هو قادم هو الاسوأ" كما قالت الدولة الاسلامية وهي تتولى مسؤولية الانفجار 1

اعلن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون بأن الدولة الاسلامية "هي تهديد للأمن في بريطانيا" في محاولة منه لتبرير الضربات الجوية التي يشنها الان في سوريا. "لذلك من مصلحة البلاد، فمن الصحيح ان نقوم بها. سوف نعمل مع حلفائنا و سوف نكون حذرين و نتصرف بمسؤولية. لكن ارى انه من الصواب فعل ذلك لأنه من مصلحة البلاد الامنية". و قال ايضا انه من الصواب ان نطارد "الارهابيين الذين هددوا المواطنين في بلدنا هم نفسهم الذين شنوا هجمات باريس و في شوارع انقره و في شوارع بيروت و قتلوا المواطنين البريطانيين على شواطئ تونس" (البي بي سي في الاول من ديسمبر 2015. 2

1 Syria air strikes vote on Wednesday, says David Cameron BBC, Dec 1, 2015'

2 IS suicide truck bomb kills 47 south of Baghdad. AFP, 6 Mar 2016

3Barack Obama warns leaders of Islamic State in speech: 'You are next'. The Guardian, Dec 14 2015

4 Paris attack: Isis warns 'This is just the beginning' after killing at least 127 people in French capital. The Independent, Nov 14 2015

اما الرئيس الامريكي فقد "سعى الى تثبيت نفسه قائدا عسكريا في يوم الاثنين حيث وقف في البنتاغون و حذر قادة الدولة الاسلامية: الدور لكم الان. تلك النغمة القوية في خطابه و التي تذكرنا باشارة الرئيس بوش الى المنشورات التي تقول "مطلوب حيا او ميتا" صبيحة انفجارات الحادي عشر من سبتمبر، تتحدى المنتقدين الذين اتهموا الرئيس بأنه لا يعبر عن عداء كافي ضد الجهاديين في العراق و سوريا. وصف الرئيس اوباما قادة داعش بأنهم لصوص و قتلة بينما يحيطه نائبه جون بادين و وزير الدفاع اش كارتر و ثلاثة من ضباطه العسكريين، ليضيف قائلا

"وكلما ضغطنا عليها اكثر مستنفذين طاقاتها فان الدولة الاسلامية لن تستطيع فرض ارهابها و دعايتها على بقية العالم (صحيفة الغاردين في 14 ديسمبر 2015 " 3

سعت الدولة الاسلامية لتبرير هجمات باريس من خلال الادعاء بأن "المعركة الالهية" كانت انتقاما ضد تورط فرنسا في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة والذي يقتل مقاتليها في العراق و سوريا: "مجموعة من المؤمنين من جنود الخليفة انطلقوا مستهدفين عاصمة البغاء و الرذيلة حاملة الصليب في اوربا، باريس. هؤلاء تركوا الحياة الدنيا و تقدموا الى عدوهم متاملين الشهادة في سبيل الله و اوليائه" 4

في السنة السابقة ومنذ اخر ذكرى للاحتلال، استمرت الحروب القدمية بالاشتعال بينما كانت حروبا جديدة اندلعت و ايضا بررت. حروب السلاح و الكلمات. استمرت العدوات القديمة و تشكلت جديدة ايضا.

الضحايا:

خسائر الحرب تقاس اولا بالخسائر البشرية الناتجة عنها. منذ 20 اذار 2015 ما يقارب 16000 مدني لقوا حتفهم في العراق. حسب احصائيات منظمة ضحايا حرب العراق فان مجموع الخسائر البشرية من المدنيين يصل الى اكثر من 174000 مدني و مجمل ضحايا العنف من بينهم العسكريين يصل الى 242000. من بين الموتى مدنيين و جنود و متمردين و ارهابيين؛ من العراق و من امريكا و من بريطانيا و من ايطاليا و من السنه و الشيعة و اليزيدية و الاكراد، جميعهم فقدوا حياتهم بينما هم يقاتلون او يتسوقون او يتمشون او نائمين.

من الصعب تسميتهم جميعا حيث ان هناك على الاقل عشرة حادثة تحصل يوميا يفقد فيها المدنيين حياتهم لكن من بين ضحايا العام السابق كان هناك حسن علي حسن و هيلال برار و خالد جبار علي و ضباط في الجيش العراقي اعدموا في سجن بادوش من قبل عناصر داعش في 23 سبتمبر 2015.

صفحة الحادث الاسم أو المعرف الشخصي العمر الجنس
a1912-kb3258 بالغ ذكر
a1912-xm3313 بالغ ذكر
a1912-ka3332 بالغ ذكر

و هناك ايضا مهند ريزو و نجيب مهند ريزو و توكا باسم ريزو و ميادة وهم افراد عائلة واحدة قتلوا في ضربات جوية في 23 سبتمبر 2015

صفحة الحادث الاسم أو المعرف الشخصي العمر الجنس
a1916-hn3336 بالغة أنثى
a1916-fe3379 21 أنثى
a1916-fs3321 17 ذكر
a1916-nx3340 بالغ ذكر

ومن بين الضحايا هناك فاطمة سمير بعمر 3 سنوات و التي قتلت بعد هجوم كيمائي في تازة في 11 مارس 2016 ( الاطفال العراقيين الذين قتلوا في تازة خلال هجوم داعش الكيميائي ) وهي احد الاف الاطفال الذين قتلوا في حروب العراق.

ومع استمرار الحرب اصبح هناك الكثير من الخسائر العينية ومن بينها الدولة العراقية التي اصبحت دولة فاشلة لا يمكنها السيطرة على امنها و المحافظة على اراضيها. وهي دولة منقسمة داخليا و من السهل اختراقها من الخارج لدرجة انه اصبح حلم السيادة الذي حاولت تحقيقها اصبح مجرد وهم. فهي دولة يسيطر عليها النزاع الطائفي و التدهور الاقتصادي و العنف ولا تزال معتمدة على التدخل و الدعم الخارجي.

فكر الاعتدال اصبح من الخسائر التي تكبدها العراق في الصراع من اجل السلطة. فلقد نتج عن هذه الحروب عداءا متزايدا للمسلمين و الجهاديين و الراديكاليين. وساد المتطرفين بينما اصبح المعتدلون مهمشين و مضطهدين. فأصبحت لغة الخطاب تتحدث عن الانسجام او عدم الانسجام.

وبينما تصل الحرب الى السنة الثالثة عشر و هناك جيل بدء يكبر في هذه الاجواء، اصبحت الطفولة من الخسائر الاخرى. ملايين الاطفال كبروا على حياة العنف اليومية و علة حياة القنابل و الاطلاقات النارية و الافتقار للتعليم و الفقر و الخوف و رؤية الموت يوميا. فالبعض تم تجنيدهم كجنود اطفال ويتم تصويرهم في افلام دعائية وهم ينفذون اعدامات. السؤال هو كيف سيكنون عندما يكبر هؤلاء الاطفال؟ كيف ستؤثر الحرب على حياتهم؟

والخسارة الاخرى هي الامل. فعلى مر الاعوام في العراق كان السؤال الاكثر طرحا هو "كيف ستنتهي هذه الحرب؟ العديد يبحثون عن الرد و عن الحل و يبحثون ايضا عن طريق السلام. ومع ذلك ليس هناك من رد على هذا السؤال. الصراع المستمر من اجل الانسجام و معركة المصالح و معركة الهويات المتنافسة تتفاقم مرة اخرى بينما يموت الامل ببطئ سوية مع الاف من الابرياء.

ونحن نصل الى ذكرى الحرب المأساوية مرة اخرى اصبح السؤال هو "كم من البشر و الاحلام و الامثل العليا سيتم التضحية بها من اجل صراع السلطة هذا؟ سواء كانت هذه الحرب اخلاقية او لا اخلاقية نتج عن هذا الحرب عنفا لا ينتهي و الاجرام و العداء و المعاناة و الموت. الحروب العينية و الكلامية قوت احداهما الاخرى لتكونان وحدة سياسية علينا ان نعيش فيها جميعا و التي تمنع بدل من تسهل الحصول على حلول.