منظمة ضحايا حرب العراق تحتاج الى دعمكم العاجل لمساعدتنا على الاستمرار في توثيق الضحايا المدنيين - ساعدنا من خلال التبرع الآن.

 

ربما في الذكرى 12 لهجوم 20 اذار 2003 على العراق سوف يتم مناقشته هو و تبعاته. لكن هل سيتم تذكر الضحايا المدنيين و هل نعرف ما يكفي عنهم لفعل ذلك كما يليق؟

تذكر الموتى

اسماء، ذكريات و ما فقدناه

المؤلف: ليلي هامور تيازدو
20 اذار 2015

المقابر اماكن غريبة فعلا يتجنبها العديد لأنها مخيفة او ببساطة محزنة لانها تذكرنا بحقيقة حتمية الموت. لكن هناك اخرون يقضون حياتهم قرب شواهد القبور التي تحمل اسماء احبتهم. كل قبر من هذه يحتوي على الموت و يحمل شاهدا على حياة كانت. بقايا الموتى: بقايا وجودهم المادي و بقايا هوياتهم. الذين كانوا يعرفونهم سوف يظلون يتذكرونهم و حتى أولئك الذين لا يعرفونهم سوف يستطيعون معرفة شيء عنهم: اسمائهم و اعمالهم و ربما صورهم.

كل شخص هو فرد و عضو في مجموعة ايضا (عائلة، ثقافة، دين او عمل) من خلال اسمائهم و القابهم. عندما يولد الشخص، يسجلون بأسماء و القاب و في بعض الثقافات يتم تعميدهم عند تسميتهم. و خلال حياتهم يمكن للأفراد ان يغيروا في هوياتهم ربما حسب ما تقتضيه عاداتهم. ربما تصبح "الانسة" لاحقا "سيدة"، و تتبنى اسم عائلة زوجها بدل اسمها قبل الزواج، و تدعى بعدها "زوجة " الرجل الذي تزوجته، او تصبح (يصبح) "ام" (او "اب") لأول الاطفال. اسمائنا تعطي هويتنا و ما يمكن ان نكون. وعندما نموت، نترك ورائنا شيئا منا من خلال اسمائنا، من خلال كل ما يحمله الاسم من معنى.

لطالما كرمت الامم مواتاها من خلال وضع قوائم اولئك الذين قدموا حياتهم او فقدوا حياتهم كمواطنين في تلك الامة و من خلال بناء نصب تذكارية للحرب لتكريم من مات فيها. تذكر و تكريم الموتى مهم جدا عند الدول و العوائل في كل العالم. من المهم بالنسبة لكل فرد فجميعنا يريد ان يبقى في الذاكرة و جميعنا نريد ان يحزن علينا احد ما عند موتنا كما نريد ان تكون حياتنا ذات قيمة.

ضمنت المؤسسة العسكرية البريطانية لجنودها البريطانيين الذين قدموا حياتهم في العراق بانهم سوف يبقون في الذاكرة. قائمة ب179 جندي مات هناك يمكن العثور عليها بسهولة: اسماء، القاب، الطريقة التي ماتوا بها، و صورهم... البعض مبتسم، و الاخر يظهر بمظهر الجدية، البعض يحمل طفلا سيكبر دون ان يكون لديه اب او ام....

ضحايا الارهاب عندنا ايضا تم تكريمهم ، اولئك المدنيين الذين ماتوا بطريقة مفاجئة و عنيفة.

لقد اعطت الشرطة اسماء 52 ضحية في انفجارات لندن. بعض العوائل اعطت بياناتها لتكرم مواتاها في الذين ماتوا في الهجمات.

اسماء و صور. وجوه مبتسمة. البعض لازال صغيرا و عيناه مليئة بالحياة.

"فيل بير، 22 عام، من بورهاموود، هيرتس، كان في قطار الانفاق مع صديقه باتريك بارنزعندما حصل الانفجار بين محطة كينغز كروس و رسل سكوير. قالت عائلته بأن السيد بير، الذي يعمل مصفف للشعر، كان ذو شخصية مرحة و محبة، بشعر اسود و احمر و ووشم للتنين الكيلتي على ذراعه.

طلبت عائلة السيد بير من المعزين في ولدهم ان يرتدوا الوانا براقة في يوم جنازته لان هذا ما كان يحبه.

و في بيان لهم قالوا: "فقدانه جعلنا نشعر بفراغ كبير. تفتقد كثيرا ضحكته العالية الرائعة".

تكريم جميل للابن الذي فقدته العائلة.

و في تكريم اخر:

"اليزابيث دابلين، بعمر 26 سنة، مشرفة من شمال لندن، ماتت في انفجار بيكاديلي بينما كانت تسافر للعمل في مستشفى كلية.

في بيان اصدرته عائلتها قالوا عنها: "تركت ليز ورائها عشرات الاشخاص الذين يحبونها و معجبين بها، من بينهم صديقها روب، و ابويها بام و مايك و اختها الينور.

قالت عائلتها بأنها كانت فنانة وموسيقية موهوبة تريد التقديم للفنون الجميلة في جامعة اوكسفورد".

من الصعب عدم الشعور بالألم بعد ما خسرناه من احباء ومن العصب منع الدموع من ان تنهمر و انت تنظر الى كل الاسماء و تلك الوجوه التي فقدناها.

و النصب التذكاري الذي ملئنا بالرعب و الالم لكل الحياة التي انتهت يومها هو النصب التذكاري 9/11 في نيويورك .

"الاسماء 2983 لرجال و نساء و اطفال قتلوا في هجمات يوم 11 ايلول 2001 و في 26 شباط 1993 منقوشة على لوائح البرونز التي تحيط نصب البرجين التوأمين الذي يقع اليوم في موقع البرجين".

و هذه الاسماء (كما يظهر لنا موقع اباوت ) منقوشة بحذر على البرونز يمكن تتبعها بأصابعنا وعلى شكل تذكاري يضمن للجميع ما من اسم قد تم نسيانه.

اما عندما نأتي لسجل الموتى في العراق، فأننا امام قصة اخرى تماما، حيث لدينا تفاصيلا تعريفية لحالة واحدة من بين 12 كما سنرى ادناه. عادة ما نرى انه كلما اصبحت الحادثة اكبر و زاد عدد الذين قتلوا فيها، كلما تضاءلت فرصة تسجيل اسماء الضحايا.

وهنا احد هذه الفرص المتضائلة كما كتب عنها موقع اخبار العراق (14 شباط 2015) ، لاحد شيوخ العشائر مع ابنه (طالب في جامعة غلاسكو) و حراسه الشخصين معه (جميعهم من افراد العائلة) خطفوا من بغداد و قتلوا. القائمة المقتضبة لأخبار العراق تقول الاتي:

  1. الشيخ قاسم كريم سويدان الجنابي—عم عضو البرلمان زيد الجنابي
  2. دكتور محمد قاسم سويدان الجنابي –ابن عم زيد الجنابي
  3. باسم حسين الجنابي—مهمة امنية
  4. سيف نايف الجنابي—مهمة امنية لعضو البرلمان
  5. محمد ناصر العبيدي—مهمة امنية
  6. محمد خالد الجنابي—مهمة امنية
  7. علي حسين الجنابي—مهمة امنية
  8. عامر حانوش الجنابي—مهمة امنية
  9. عدي حميد الجنابي—مهمة امنية

وما نفتقده فعلا في مثل هذه القوائم هو تسلطي الضوء على الاحلام و الامنيات التي عاش من اجلها هؤلاء الضحايا العراقيين:

"كان والد الجنابي يتفاوض من اجل معاملة افضل للمحليين و مكان امن للسنه المهجرين يعيشون فيه، كما قال (احد اصدقاءه). كان محمد يريد المساعدة في هذا العمل و بعد ان ناقش اطروحة الدكتوراه بنجاح كان عازما العودة الى غلاسكو من اجل التخرج في حزيران. اخبرنا ان نحدد التاريخ في مفكراتنا و قلنا له بأننا لن ننسى اليوم ابدا.

لم يكن قد تزوج بعد، كما ذكرت. "كان وسيما، اطول من المعتاد بالنسبة لشاب عراقي و لديه ابتسامة جميلة. قد تعتقد ان النساء يسعين وراءه لكنه اراد ان يكمل دراسته و لم يكن يريد البقاء في اي مكان في العالم سوى العراق".

تلقت قصة الجنابي اهتماما اكبر من المعتاد في الصحافة الاسكتلندية لان جزء من حياته كان في غلاسكو بالإضافة الى العراق. ومثل هذه القصص التي تصف الضحايا العراقيين في حياتهم و الظروف التي قتلوا فيها (من بينهم اولئك الذين لم يغادروا بلادهم ) تظهر في الصحف و الاعلام الغربي من وقت الى اخر (بعضها كان رائع وقمنا بنقلها سابقا). مع الضحايا العراقيين يكون نقل تفاصيل لتكريم الموتى هو الاستثناء و ليس القاعدة.

مدى و طبيعة العنف في العراق جعله من الصعب على الصحفيين و الاخرين نقل و تسجيل القتلى المدنيين و كتابة التفاصيل عن حياتهم. و كل يوم تزداد هذه القائمة الطويلة جدا لضحايا العنف بسبب اطلاقات نارية، انفجار عبوات، قطع رؤوس في البلاد الذي اصبح موقع كبير لمعركة لا تنتهي.

في الذكرى 12 للاحتلال، تم تسجيل اكثر من 154 الف مدني قتل في العراق من قبل موقع "ضحايا حرب العراق" . ومع تضمين اسماء المقاتلين من جميع الجنسيات، اصبحت الحصيلة 211 الف. في كانون الثاني 2014 استطعنا جمع اسماء و تفاصيل تعريفية اخرى ل 11 الف ضحية فقط—وهو عدد ليس بقليل لكن تضل النسبة واحد من كل 12 ضحية قتلوا حتى ذلك التاريخ (يمكن تصفح القائمة اونلاين او تحميل القائمة مباشرة كصفحة اكسل).

الضحايا الاخرين تم وصفهم ببساطة "رجل شرطة" او "سائق شاحنة". الاخرين ذكر عنهم فقط "ذكر، بالغ". وهناك ايضا—تقريبا ثلثي الضحايا في قاعدة البيانات عندنا—لا تتضمن السجلات العامة عنهم اي معلومة عن الافراد الذي فقدوا حياتهم باستثناء معلومة انهم غير مقاتلين و غالبا ما كانوا يقضون اعمالهم اليومية لكن التقوا بموت عنيف و مفاجئ على يد الاخرين. من المهم ان يتم تكريم موتهم مثلما هو الحال مع غيرهم الذين كرموا . لكن في الوقت الحالي موتهم لا يمثل سوى رقم في البيانات.

مع ذلك، فالأرقام وحدها لا تمثل الحياة الانسانية. معرفة كم عدد الذين ماتوا ليس كافيا بدون معرفة من الذي مات، لان الارقام لا تستطيع تنقل بشكل دقيق ماذا فقدنا مع ما فقدناه من اشخاص. بالنسبة للعديد من البلدان (و ليس العراق فقط)، تسجيل الضحايا من الشعب لا يتعدى الاحصاءات الرقمية. تكريم مخزي للحياة التي ضاعت مع الموت.

اطفال من كانوا؟ من هم ابويهم؟ من هم الذين سيفتقدونهم؟ ماذا ارادوا ان يفعلون بحياتهم؟ ما هي مواصفاتهم؟ هل كان لديهم مواهب معينة؟ هل كان لديهم حبيب او حبيبة؟

هل سيعرف الغرب، نحن الذين لعبنا دورا مباشرا او غير مباشر في تفكيك الدولة العراقية، من الذين ماتوا في هذه الحرب؟ هل سنتذكرهم؟ هل سيعرف العراقيين من كل هؤلاء الذين ماتوا، من هم الذين سفكت دمائهم في الشوارع كل يوم؟ هل ستعرف هوايات الالاف الذين وجدت جثثهم في المقابر الجماعية؟ هل حياة العراقيين اقل قيمة من حياة الشعب البريطاني او الامريكي ، سواء كان مدنيا او عسكريا؟

تكريم ذكرى من مات لا يجب ان يعرف التمييز على اساس العرق او الدين او اللون او المكانة المادية. لا يمكن منح هذا الحق للأوربيين و للأمريكيين للعرق الابيض و للمسيحين و للأقوياء و الاغنياء. فهذا الحق يجب ان يعطى لغير البيض و الفقراء و الأسيويين و الأفريقيين و غير المتعلمين و الولد المتسول الذي انفجر جسده و المرأة المسنة التي اطلق عليها النار و هي في طريقها الى السوق و الفتاة اليزيدية التي قطع راسها لأنها لا ترتدي حجابا. تخليد ذكرى حياة من مات يجب ان لا يعرف حدود ولا تمييز.

لا يوجد اسم و هوية افضل من الثانية. و فقدان شخص ما لن تكون سهلة على من عرفه و احبه، اولئك الذين سيظلون يتذكرونه و يحزنون لفقدانه. في قصيدة "الدبلنية" وصف الشاعر الانكليزي فيليب لاركن جنازة احدهم. سار المعزين وراء التابوت

بينما يغادرون بعيدا
سمعوا صوتا يغني
يا كيتي، او كاتي ربما
كما لو ان الاسم كان يعني يوما ما
كل الحب، و كل الجمال